الديمقراطية في الإسلام


الديمقراطية في الإسلام 
عباس العقاد


بدأ النظام الديمقراطي في إسبرطة من بلاد اليونان ولم يبدأ في أثينا موطن الفلاسفة وأصحاب الدراسات الفكرية، وتقريرهذه الحقيقة مهم جداً للعلم بطبيعة النظام الديمقراطي الذي نشأ في ذلك الزمن، فهو نظام عملي قائم علي ضرورات الواقع، وليس بالنظام الفكري القائم علي توضيح المباديء وتمحيص الآراء

حين تعرض الفلاسفه للكتابة في أنواع الحكومات فقد كانت التفرقه بين نظام من الأنظمة الحكومية ونظام آخر تفرقة في النفع والضمان، وكانت المساواة التي ترددت في كتب الفلاسفه مساواة وطنية وليست مساواة إنسانية فقصروها علي أبناء اليونان ولم يشركوا فيها الغرباء أحراراً كانوا أو أرقاء، وكانت خلاصة فلسفة أفلاطون الحكومية أن الرعية بمثابة القاصرين الذين لا يزالون بحاجة إلي الأوصياء وتجوز في حكمهم أن يخدعوا كما يخدع الأطفال بالحكايات والأساطير، وتكلم أرسطو عن المساواة في الحرية بين المواطنين كأنها ضمان لصلاح الحكم لا شأن له بالحقوق الإنسانية التي يستحقها كل إنسان في كل أمة

لم يتقرر قط في دساتير المجالس الرومانية أن تتساوي جميع الطبقات في حقوق الإنتخاب وحقوق الحكم

 عمّال المدن الإنجليزية لم يخولوا حق الإنتخاب في 1867 إلا لأنهم أصبحوا قوة لازمة للدولة في المصانع، ولم يظفر عمال الريف بمثل هذا الحق إلا بعد ذلك بثماني عشرة سنة، لأن خطرهم أهون من خطر عمال الصناعة في العواصم ولمثل هذه الأسباب خوّلت المرأه حق الإنتخابات بعد الحرب العالمية الاولي، لأنها إشتغلت بأعمال المصانع أثناء غياب الجند في ميادين القتال

تقوم الديمقراطية الإسلاميه علي أربعة أسس، لا تقوم ديمقراطية كائنة ما كانت علي غيرها، وهي: 
المسئولية الفردية -
عموم الحقوق وتساويها بين الناس -
وجوب الشوري علي ولاة الأمور - 
التضامن بين الرعية علي إختلاف الطوائف والطبقات -



الدكتور اشتياق حسين قريش: ( يري البعض أن البرلمان في دولة متحضرة كالمملكة المتحدة مثلاً هو صاحب السيادة الحقيقية، ويري آخرون أن  الناخبين الذين يختارون البرلمان هم أصحاب السيادة فهم قادرون علي خلع الملك وحل البرلمان، ويري غيرهم أن الناخبين أنفسهم ليسوا مخيرين بل مسيرين بما سمعوه من دعوه وتلقوه من علم واعتقدوه من دين واتخذوه من أفكار سياسية واجتماعية، فهل هذه العوامل هي صاحبة السيادة في الدولة؟)


 لقد تم إختيار الخلفاء الأولين بموافقة المحكومين، ولم يكن واحداً منهم مفروضاً علي الرعيه بغير اختيارهم، وكان هناك ترشيح واحد لو حدث لكان في حكم الالزام بالمبايعه، وهو تصريح النبي عليه السلام باختيار أحد من أصحابه للخلافه ولكن النبي عليه السلام لم يعلق الإختيار ولم يزد فيه علي الإشاره تجنباً لكل إلزام، وجاء ابو بكر فأوصي بمبايعة عمر بن الخطاب، ولم تكن وصيته ملزمه للناس بالقوة والإكراه، لأن سلطانه ينتهي بوفاته

ابو بكر الصديق: أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم

عمر بن الخطاب: ( لكم عليَّ أن لا اجتني شيئًا من خراجكم، ولا ما أفاء الله عليكم، إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي أن لا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله، وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ أن لا ألقيكم في المهالك، ولا أجمركم - أي: أحبسكم - في ثغوركم، وإذا رغبتم في البعوث، فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله عبادَ الله، وأعينوني على أنفسكم بكفِّها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر (بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم.

كان الفاروق لا يقصر مشورته علي كبار الشيوخ وأئمة القوم، بل يلتمس الرأي في الشبان كما روي يوسف بن الماجشون: ( فكان إذا أعياه الأمر المعضل دعاهم فاستشارهم لحدة عقولهم) 

كان إسلوبه - الفاروق - إذا أراد أن يختار والياً أن يذكر الشرط ويترك للسامعين الإختيار وسأله أصحابه مرة، ما شرطك في الوالي الذي تريده، قال : ( إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجلٌ منهم)

ليست كثرة العدد هي مناط الصواب في الشوري الإسلاميه، لأن القرآن الكريم صريح في إبطال هذا الوجم، وآياته البينه واضحه في التفرقة بين أكثر الأقوال وأصوب الأعمال
فمنها: وما يتبع أكثرهم إلا ظنّا 
ومنها: ولكن أكثرهم للحق كارهون
ومنها: ولكن أكثرهم يجهلون
ومنها: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يصرخون

جمال الدين الأفغاني: ( الحقائق من أديان ومذاهب وقواعد علمية وفنية، ما ظهرت واستقرت وتدونت وانتشرت، إلا بواسطة أفراد قلائل، بعد أن قاومها الجموع بأشد ما لديها من القوة ووسائل القهر .. )

جمالد الدين الأفغاني:( وهكذا ينبغي أن نعلم أن كل تعليم حق في ذاته- ولو خالف المألوف وقل أنصاره= فمن الحكمة الا نرفضه لقلة الأشياع والنصراء أو لكثرة جماهير المحالفين، فإن تبين منه نور الحق وكان الناظر ضعيف الحكمة لا يجرؤ علي مناصرته ومظاهرته فليصبر حتي تكثر الأعوان ولا يسارع إلي مجاراة الكفران به )

جمالد الدين الافغاني: ( أعظم مزايا الأنبياء اقتحامهم مخالفة اقوامهم وما كانوا فيه من ضلال .. ولو لم يكن لهم إلا تلك المزية لأعظم من شأنهم ومن ينصفهم ولو جحد رسالاتهم وأنكرهم، ولوجد لهم فضلاً كبيراً )

لن تقوم ديمقراطية إقتصادية علي قاعدة أقةم من هاتين القاعدتين في الإسلام: تحريم الإستغلال وتقديس العمل

(رحم الله امريء أهدي إلينا عيوبنا) - عمر بن الخطاب

تتلخص الأخلاق الإسلاميه - وإن شئت قل الأخلاق الديمقراطيه - في كلمة واحده: السماحه

كان الخليفه الأول يحلب لجاراته الصعاف

كان عمر بن الخطاب يبادل خادمه الركوب مرحله بمرحله

قال عليه السلام في مرض الوفاة: ( أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخش الشحناء فهي ليست من شأني )

جاء في العقد الفريد أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال لأبيه: ( يا ابت مالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. قال عمر : لا تعجل يابني فإن الله تعالي ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثه، وأنا أخاف أن أحمل الناس علي الحق جملة فيدعوه وتكون فتنة)

إن أحق إنسان بأن يحرص علي حريته لمن يعلم أنه مدين بها لخالقه ولضميره ولا فضل فيه عليه لأحد من الناس، وإن أحق أمة أن تحرص علي حريتها لهي الأمة التي تعلم أنها إذا اجتمعت لم تجتمع علي ضلالة وأنها هي مرجع الحقوق جميعاً، وإنها تريد فتكون إرادة الله حيث تريد

Comments

Popular posts from this blog

Understanding Power: The Indispensable Chomsky

ثورة الأرض

The God Of Small Things