الروح والجسد

الروح والجسد
مصطفي محمود





كل ما فوق وتحت وعن يمين و شمال وكل ما بدا .. ليس مني 

الحروف لا تدل علىّ .. الكلمات لا تدل على اوصافي
أوصافي التي تحملها العبارة هي اوصافك بمعنى
وحينما أقول أنى انا الرحيم فانك تفهم رحمتي برحمتك وما رحمتي يا عبدي كرحمتك
ومن أوصافي إني (( الأبد )) .. ولا عبارة في الأبد
أنا الذي ليس كمثله شيء 
فيا مختلف لا تستدل علىّ بمختلف فتخطئ الطريق إلى معرفتي 
إنما يكون تعرفي إليك بلا نطق وبلا عبارة 
وإذا جاءك وصفي بلا عبارة فقد جاءتك الحقيقة وإذا وقفت في حضرتي فسترى الحروف أصناما والعبارات أوثانا 



يقول الله سبحانه وتعالى في مخاطباته الإلهية للصوفي محمد بن عبد الجبار :


الحرف حجاب ، الحرف يعجز عن أن يخبر عن نفسه فكيف يخبر عني
أنا خالق الحرف وما يخبر عنه الحرف فأنا من وراء الاثنين
اخرج عن الحرف اخرج عن نفسك اخرج عن اسمك اخرج عن كل ما بدا تكن في حضرتي . اصمت منك الصامت ينطق الناطق بالضرورة - والناطق هنا الروح 


السعادة الحقة ، لا يمكن ان تكون صراخا ، إنما هي حالة عميقة من حالات السكينة تقل فيها الحاجة الى الكلام و تنعدم الرغبة في الثرثرة ، و هي إحساس بالصلح مع النفس و الدنيا و الله ، و إقتناع عميق بالعدالة الكامنة في الوجود كله ، و قبول لجميع الآلام في رضا و إبتسام .


وصف القران العلاقة السوية بين الرجل والمرآة بأنها المودة والرحمة . ولم يسمها حبا ، وجعل الحب وقفا على علاقة الإنسان بالله ،لانه وحده جامع الكمالات الجدير بالحب والتحميد وجاءت لفظة الحب في القران عن حب الله وحب الرسول .. وجاءت مرة واحدة عن حب المرآة على لسان النسوة الخاطئات حينما تكلمن عن امرأة العزيز وفتاها الذي (( شغفها حبا )) .. وهو حب رفضه يوسف واستعصم منه واستعان بربه واثر عليه السجن عدة سنين .


ان السعادة في معناها الوحيد الممكن هي حالة الصلح بين الظاهر والباطن بين الإنسان ونفسه بين الإنسان والآخرين وبين الإنسان وبين الله . فينسكب كل منهما في الأخر كأنهما وحدة ويصبح الفرد وكأنه الكل .. وكأنما كل الطيور تغني له وتتكلم لغته.

وفي قصة لتولستوي يقول الاقطاعي للفلاح الطامع في أرضه سوف أعطيك ما تشاء من ارضي . تريد عشرة فدادين .. مائة فدان .. ألفا .. لك أن تنطلق من الآن جريا في دائرة تعود بعدها إلى مكانك قبل أن تغرب الشمس فتكون لك الدائرة التي رسمتها بكل ما اشتملت عليه من أرض .. شريطة أن تعود إلى نقطة البدء قبل غروب الشمس أما اذا غربت الشمس ولم تعد فقد ضاعت عليك الصفقة .. 
ويفكر الفلاح الطماع في دائرة كبيرة تشمل كل أرض الاقطاعي .. وهو مطمع يحتاج منه إلى همة وسرعة قصوى في الجري حتى يحيط بها كلها في الساعات القليلة الباقية على الغروب ويبدأ في الجري وكلما تقدم الوقت كلما وسع من دائرته اغتراراً بقوته وطمعاً في المزيد وتكون النتيجة ان تتقطع أنفاسه ويسقط ميتا قبل ثوان من بلوغ هدفه .. ثم لا يحصل من الأرض الا متر في متر يدفن فيه .. وهذه هي حاجة الانسان الحقيقية من الأرض بضعة أشبار يرقد فيها .. وهو ينسى هذه الحقيقة فيعيش عبدا لأهواء وأطماع وأوهام تضيع عليه حياته.


" كلوا واشربوا ولا تسرفوا " .. فنصح بضبط النفس على جادة الاعتدال .. لا رهبانية وصيام الدهر .. ولا إطلاق لعنان الشهوات


Comments

Popular posts from this blog

Understanding Power: The Indispensable Chomsky

ثورة الأرض

The God Of Small Things