أولاد حارتنا

أولاد حارتنا
نجيب محفوظ



إنك تكرهني يا أدهم لا لأننى كنت السبب في طردك. ولكن لأنني أذكرك بضعفك. إنك تكره فيّ نفسك الآثمة, أما أنا فلم يعد لي من مبرر لكراهيتك؛ بل انت اليوم عزائي و تسليتي.


لكنّ آفة حارتنا النسيان

الناس يعبدون القوة حتى ضحاياها 

أما أهل الحارة فانقلبوا إلى ما كانوا عليه في الزمان الأسود, بلا كرامة و لا سيادة, تنهكهم الفاقة و تتهددهم النبابيت و تنهال عليهم الصفعات. وانتشرت القذارة و الذباب و القمل, و كثر المتسولون و المشعوذون و ذوو العاهات. ولم يعد جبل و رفاعة و قاسم إلا أسماء,  و أغاني ينشدها شعراء المقاهي المسطولون. و تباهي كل فريق برجله الذي لم يبق منه شئ و تنافسوا في ذلك إلى حد الشجار و العراك. و ذاعت شعارات المساطيل, فيقول أحدهم وهو داخل إلى الغرزة (ما فيها فائده) يعني الدنيا لا الغرزة. ويقول آخر  (هناك نهاية واحدة وهي الموت, فلنمت بيد الله خير من أن نموت بنبوت فتوة,  و احسن ما نفعل سكرة أو تحشيشة!).  وكانوا يتغنون بمواويل حزينة, ينسجونها من خيوط الخيبة و الفقر و الذل, أو يترنمون باغنيات فاحشة دائرة يقذفونها في آذان النساء و الرجال الباحثين عن السلوي و العذاء و لو في خرابة مظلمة. و عندما يشتد الكرب باحدهم يقول (المكتوب مكتوب, لا جبل اجدي و لا رفاعة و لا قاسم,  حظنا من الدنيا الذباب و من الآخرة التراب) 
و من العجب أن تبقى حارتنا بعد ذلك كله الأخيرة بين الحواري, يشير إليها الرجل من جيراننا و يقول في إكبار (حارة الجبلاوي). و نقبع في أركانها ساهمين واجمين كأننا بتنا قانعين بالذكريات العزيزة الماضية, أو أننا نجتر الإصغاء إلى هتاف في أعماقنا يهمس بصوت خافت (ليس من المستحيل أن يقع في الغد ما وقع بالأمس, فتتحقق مرة أخرى أحلام الرباب و تختفي من دنيانا الظلمات)


الخوف لا يمنع الموت ولكنه يمنع الحياة







Comments

Popular posts from this blog

Understanding Power: The Indispensable Chomsky

ثورة الأرض

The God Of Small Things