الإسلام بين الشرق و الغرب


الإسلام بين الشرق و الغرب
على عزت بيجوفتش


لا أهمية لما تقره الفلسفة او لا تقره، لأن الحياة، وهى اسمى من الفكر، لا يجب أن يحكم عليها الفكر. و حيث إننا بشر، فإننا نحيا واقعين. و قد نستطيع أن ننكر هذين العالمين، و لكننا لا نستطيع الفكاك منهما، فالحياة لا تتوقف كثيراً على فهمنا لها.

الدين و المادية هما الفكرتان الأوليتان في العالم لا يمكن تجزئتهما إلى ما هو أصغر منهما... إنه من المستحيل أن تجد حجة منطقية تجادل بها اياً من هاتين الفكرتين العالميتين، فكل واحدة منهما فى ذاتها نظام منطقى، و ليس هناك منطق اعلى منهما للحكم عليهما. ولا يوجد، من حيث المبدأ و الخبرة، أسمى منهما سوى الحياة الإنسانية نفسها. فأن تحيا، و فوق كل شئ أن تحيا حياة كاملة خيرة، هو امر اكثر من أى دين و أكثر من اى اشتراكية.

إذ يبدو واضحاً ان الإنسان و هو يمارس حياته الواقعية، لا يمكن أن يعيش وفقاً لفلسفة ثابتة. 

يمكننا ان نقول ان الاسلام يعنى ان نفهم و ان نعترف بالازدواجيه المبدئية للعالم، ثم نتغلب على هذه الازدواجية.

إن داروين و مايكل انجلو يمثلان فكرتين مختلفتين عن الإنسان و حقيقتين متعارضتين عن أصله، و لن ينتصر أحدهما على الآخر، لأن أحدهما مُدعم بعدد هائل من الحقائق  يستحيل تفنيدها، بينما الآخر مستقر فى قلوب جميع البشر.

إن ضيق افق الإنسان الحديث يتجلى، اكثر ما يكون، فى اعتقاده بأنه لا يرى امامه لغزاً

فمنذ تلك اللحظة المشهودة (الهبوط إلى الارض) لم يعد ممكناً للإنسان أن يختار بين ان يكون حيواناً او إنساناً، إنما إختياره الوحيد أن يكون إنساناً أو غير إنسان.

لماذا نصادف كثرة من المعوقين حول المساجد و الكنائس و المعابد التى نذهب إليها؟ لأن بيوت الله وحدها تفتح ابوابها لأولئك الذين ليس لديهم ما يعرضونه أو يبرهنون عليه ، أولئك الفقراء في المال و الصحة ، أولئك الذين استبعدوا من موائد الاحتفالات في هذا العالم. حيث يُدعى الشخص لاسمه أو حسبه و نسبه أو موهبته أو علمه. إن المريض و غير المتعلم يُغلق أمامه باب المصنع أيضاً بينما يدخل المتعلم صحيح البدن. أما فى بيت الله فإن الفقير و الأعمى يمكن ان يقفا جنباً إلى جنب مع ملك أو نبيل و قد يكونا عند الله أفضل منهما.

المعنى النهائى للفن أن يكتشف الخصوصية الإنسانية فى الناس الذين أساءت اليهم الحياة، و أن يكشف عن النبل الإنسانى عند أناس صغار منسيين فى خضم الحياة - و باختصار أن يكشف عن الروح الإنسانية المتساوية القيمة فى جميع البشر.

الإنسانية، بالدرجة الأولى، توكيد لحرية الإنسان. أى توكيد لقيمته باعتباره إنساناً.. فمثلاً من الإنسانية ان نقول إن الإنسان مسئول عن أفعاله و أن نحاسبه عليها. وليس من الإنسانية أن نطلب منه أن يتأسف أو أن يغير رأيه، أن يتحسن و أن يصفح عنه. إنها أكثر إنسانية أن يعاقب إنسان بسبب معتقداته من إجباره على التخلى عنها أو التبرؤ منها بإتاحة الفرصة المعروفة بإسم " الأخذ فى الإعتبار بموقفه المخلص "

و بالمثل، يمكن أن يكون التعليم غير إنسانى إذا كان عملية من جانب واحد، موجهاً و قائماً على تلقين تعاليم حزبية، إذا لم يكن يعلم الفرد كيف يفكر بطريقة استقلالية، إذا كان يقدم إجابات جاهزة، إذا كان يعد الناس فقط للوظائف المختلفة بدلاً من توسيع افقهم، و بالتالى حريتهم.

إن أى تلاعب بالناس حتى و لو كان فى مصلحتهم هو أمر غير إنسانى، أن تفكر بالنيابة عنهم و أن تحررهم من مسئولياتهم و التزاماتهم هو ايضاً غير إنسانى. 

نقيض الجمال ليس هو القبح وإنما الزيف.

إن الفنانين لم يشعروا بوقع النظام الشمولى لسيطرة الكنيسة فى العصور الوسطى، فقد كان ذلك من نصيب العلماء.. لقد حاولت الكنيسة أن تجعل العلم خادماً للاهوت، وفى الإتحاد السوڤيتى حاولوا أن يجعلوا من الفن خادماً للسياسة. و عندما أعلنت السلطات الحكومية أن "الواقعية الإشتراكية" -طبقاً لمصطلح ستالين- هى المنهج الصحيح الوحيد للفن السوڤيتى، كان هذا إملاءً وخطأ من النوع نفسه الذى فعلته الكنيسة مع العلم.

هل نحكم على الأعمال بالنوايا التى انطوت عليها، أم بالنتائج التى ترتبت عليها؟ الموقف الأول هو رسالة كل دين، أما الموقف الثانى، فهو شعار كل أيديولوجية أو ثورة، فهناك منطقان متعارضان، أحدهما يعكس إنكار العالم، والآخر يعكس إنكار الإنسان.

ليس الإنسان بما يفعل بل بما يريد، بما يرغب فيه بشغف. وفى الأدب لا يقتصر الكاتب على الحبكة الروائية أو المسرحية، وإنما يتعمق فى نفسية بطله ويصف حوافزه الخفيه. فإذا لم يفعل ذلك، كان ما يكتبه مجرد سرد لتاريخ زمنى بالأحداث، وليس عملاً ادبياً.

العمل الذى انعقدت عليه النية، هو عمل قد تم أداؤه فى عالم الأبدية. أما أداؤه البرانى، فيحمل طابعاً أرضياً فهو مشروط لا أصالة فيه، إنه صدفه، بل لا معنى له. النية حرة، أما الأداء فيخضع للقيود و القوانين و الشروط. النية جميعها ملك لنا، أما الأداء فينطوي على امور غريبة عنا، عرضية فى ذاتها.

والإنسان خيّر ما اراد أن يكون خيّرا، وفى حدود فهمه للخير، حتى ولو اعتبر هذا الخير شراً فى نظر شخص آخر، و الإنسان شرير ما أراد أن يفعل الشر، حتى ولو بدا فيه خير للآخرين أو من وجهة نظر الآخرين. فمدار القضية فى عالم الإنسان الجوانى الخاص، فى إطار هذه العلاقة _ وهى علاقة جوانية روحية _ يقف الإنسان وحده تماماً، وهو حر شأنه كشأن الآخرين. وهذا هو معنى عبارة سارتر التى تقول بأن كل إنسان مسئولية مطلقة، وأنه "ليس فى الجحيم ضحايا أبرياء و لا مذنبون أبرياء"

فهل لنا ان نقول: إن العلماء ينتمون إلى عصرهم فقط، أما الشعراء فإنهم ينتمون لكل العصور؟ [فكرة أن العلم يتطور باستمرار والفن لا يتطور بل يبدأ من جديد]

موضوع الثقافة، موضوع ثابت هو لماذا نحيا؟ أما الحضارة، فهى تقدّم متصل يتعلق بسؤال آخر هو: كيف نحيا؟ الأول سؤال عن معنى الحياة، والثانى عن كيفية هذه الحياة.و يمكن تمثيل الحضارة بخط صاعد على الدوام ، من اكتشاف النار، مارّاً بالطواحين المائية، والحديد والكتابة، والآلة، حتى الطاقة الذرية و رحلات الفضاء. أما الثقافة، ففى بحث دائب يعود إلى الوراء ثم يبدأ من جديد. 

"إعمل بطريقة يكون فيها المبدأ الذى أردته صالحاً لأن يكون مبدأ لتشريع عام" - إيمانيول كانت.

هل يأتى الشر من الداخل.. من الأعماق المظلمة فى نفس الإنسان، أم انه يأتى من الخارج.. من الظروف الموضوعية للحياة الإنسانية؟ هذا السؤال يقسم الناس إلى طائفتين كبيرتين: المؤمنون والمادّيون. يعتقد المؤمنون أن الخير والشر كلاهما موجود فى الإنسان. ومن ثمّ، فإنهم ينكرون القسوة لأنها موجهة إلى الخارج، فهى قتال مع شر خيالى لا وجود له. إنما يجب توجيه القسوة إلى انفسنا على هيئة ندم او تقشف.

الدراما حدث يقع فى النفس الإنسانية، أما الطوبيا فحدث يقع في المجتمع الإنسانى. الدراما هى أعلى شكل من أشكال الوجود الممكن فى هذا الكون، أما الطوبيا فهى حلم أو رؤيا للجنة على الأرض. فلا توجد دراما فى الطوبيا ولا توجد طوبيا في الدراما، إنما هو صدام بين الإنسان والعالم وبين الفرد والمجتمع.


إن الفقر مشكلة ولكنه إثم أيضاً. ولا يعالج الفقر بنقل ملكية بعض السلع، وإنما أيضاً من خلال التضامن الشخصي، والقصد والشعور الودى. فلا شىء يمكن إنجازه على الوجه الصحيح بمجرد تغيير ملكية سلع العالم طالما بقيت فى النفوس الكراهية و الاستغلال و الاستعباد.




Comments

Popular posts from this blog

Understanding Power: The Indispensable Chomsky

ثورة الأرض

The God Of Small Things