الجولة وحوادث مؤثرة أخرى
الجولة وحوادث مؤثرة أخرى
لوكليزيو
تنزلق السيارات مسرعة على الأسفلت، وهي تصفر قليلاً، ثم تبتعد، تختفي بين البنايات الضخمة. تتوهج الشمس في كل مكان، على جدران البنايات الجديدة، على القطران الأسود، على هياكل السيارات. أين هو النور الجميل الذي كان؟ هذا الذي كنت ألحظه على واجهة المعبد المموه، بين الورق؟ حتى الظل لم يعد نفسه في الوقت الحاضر: بحيرات كبيرة مظلمة أسفل المساكن، ظلال هندسية للانعكاسات وللسياج، الظلال القاسية للسيارات المتوقفة. فكرت إذاً في الظل الخفيف الذي يرقص بين الورق، ظل الأشجار المتشابكة، أكاليل الغار العتيقة، النخيل. تذكرت فجأة البقع الدائرية التي تصنعها الشمس وهي تعبر أوراق الشجر، وسحب الناموس الرمادية. كان هذا ما أبحث عنه الآن على الأرض العارية؛ حيث تحرقني عيناي بفعل الضوء. هذا الذي ظل داخلي، كل هذه السنوات، والحاضر الآن في العري البشع، في لسع ضوء الحاضر، يصنع ما يشبه ستاراً أمام عينيّ دواراً، ضباب: ظل الحديقة، الظل العذب للأشجار، الذي يمهد للظهور الساطع للبيت الجميل بلون الصدف، المحاط بحدائقه، بألغازه وبقططه.
معها دخلت إلى فيلا أورور. كنت خجلاً، لكن أيضاً قلقاً؛ لأن كل شيء كان قديماً جداً، هشاً جداً. تقدمت ببطء في المنزل، مسبوقاً بالسيدة العجوز، دون كلمة، أحبس أنفاسي تقريباً. حاذيت ممراً مظلماً، ثم فتح باب صالون فشع لون ذهبي، وعبر زجاج النوافذ شاهدت أوراق الشجر والنخيل الساكن في الضوء الجميل، كما لو كان على الشمس ألا تغيب أبداً. وفي الوقت الذي كنت ألج فيه الصالة الكبيرة البالية، بدا لي وكأن الجدران تتباعد إلى ما لا نهاية، وأن البيت يتسع، يتمدد على التل كله، ماحياً كل ما حوله، المساكن، الطرق، الجراجات الموحشة، دوامات الأسمنت. حينها وجدت ثانية حجمي القديم، هذا الذي لم يتعين أن أفقده أبداً، قوامي كطفل، وسيدة فيلا أورور العجوز كبرت، تنيرها حيطان مسكنها

Comments
Post a Comment