مسيرة الفيل
مسيرة الفيل
جوزيه ساراماجو
القافلة جاهزة للرحيل. هناك شعور عام بالضغط، ضغط لا يمكن تعريفه، يلاحظ أن الأشخاص لا يستطيعون أن يخرجوا من رءوسهم مضيق بريننير ومخاطره. مؤرخ هذه الأحداث ليس لديه تخمة في الاعتراف بأنه يخشى ألا يكون قادراً على وصف المضيق الشهير الذي ينتظرنا فيما بعد، هو من توجب عليه، عند مضيق إيساركو، أن يخفي عجزه بأفضل ما يمكن، مطنباً بمواد ثانوية، لعلها ذات أهمية في ذاتها، لكنه هرب بوضوح مما هو جوهري. من المؤسف أنه في القرن السادس عشر لم يكن التصوير الفوتوغرافي قد اخترع بعد، لأن الحل حينئذ كان سيصير في غاية اليسر، فكان يكفي إدخال بعض صور الفترة هنا، بخاصة لو تم التقاطها من خلال طائرة مروحية، وكان القارئ سيمتلك كل الأسباب ليعتبر نفسه راضياً بشكل واسع وليعترف بالجهد المعلوماتي الهائل لكتابتنا. وبالمناسبة، فقد حان الوقت لنقول أن المدينة الصغيرة القادمة، والواقعة على مسافة قليلة من بريسسانوني، تسمى بالإيطالية، فمازلنا في إيطاليا، فيبيتينو، وإن كان النمساويون والألمان يسمونها ستيريزنج فهذا أمر يستعصي على فهمنا. مع ذلك، فلنقبل احتمالية أن تصمت الإيطالية في هذا الجزء أقل مما تصمت البرتغالية في لوس ألجرابيس، دون أن نلقي الحطب على النار.
لقد خرجنا من بريسسانوني بالفعل. ومن الصعب إدراك أنه في منطقة مليئة بالحوادث مثل هذه، حيث تكثر سلاسل جبلية مدوخة يمتطي بعضها بعضاً، كان ضرورياً لا يزال فتق ندبات مينائي الإيساركو وبريننير العميقة، بدلاً من وضعها في أماكن أخرى بالكوكب أقل تميزاً بخيرات الطبيعة، حيث تستطيع استثنائية الظاهرة الجيولوجية المبهرة - بفضل صناعة السياحة - أن تفيد بشكل مادي حيوات سكانها المتواضعة والمعانية. وعلى عكس المسموح بالتفكير فيه، واضعين في الاعتبار المشكلات السردية الظاهرة بصراحة والمتعلقة بعبور الإيساركو، فهذه التعليقات لا تهدف أن تنوب مسبقاً عن ندرة الوصف المنتظرة لمضيف بريننير الذي نحن على وشك الدخول فيه، وهذا - بالضبط - هو الاعتراف المتواضع بحقيقة العبارة الشهيرة، تنقصني الكلمات. وبالفعل، تنقصنا الكلمات. يقال إنه في إحدى اللغات التي يتحدثها السكان الأصليون لأمريكا الجنوبية، لعلها في الأمازون، يوجد أكثر من عشرين تعبيراً، سبعة وعشرون، أعتقد أنني أتذكر، لوصف اللون الأخضر. وبالمقارنة بفقر المفردات في لغتنا، سيبدو أنه من السهل عليهم وصف الغابات التي يعيشون فيها، في وسط كل هذه الأخضرات الدقيقة والمختلفة، التي بالكاد يمكن التمييز بينها لرقتها ودرجاتها التي لا يمكن تعلّمها تقريباً. لا ندري إن كانوا قد حاولوا ذلك من قبل وإن بقوا راضيين عن النتيجة. ما نعلمه حقاً هو أن أحادية أي لون - على سبيل المثال- حتى لا نذهب بعيداً، الأبيض الظاهر والمطلق لهذه الجبال، لا يقرر القضية كذلك، ربما لأنه هناك أكثر من عشرين درجة للأبيض لا تستطيع العين إدراكها، لكن وجودها يشعر بالحدس. الحقيقة، إن أردنا قبولها بكل قسوتها، أنه ببساطة لا يمكن وصف منظر بالكلمات. أو بقول أفضل، نعم يمكن ذلك، لكن الأمر لا يستحق العناء. أسأل نفسي هل يستحق العناء كتابة كلمة جبل عندما لا تعلم أي اسم يطلقه الجبل على نفسه. مع الرسم الأمر مختلف، فالرسم قادر جداً على إبداع سبع وعشرين درجة من الأخضر الذي هرب من الطبيعة فوق اللوحة، وبعضها أكثر من البعض الآخر لا يبدو عليه، وهذا -كما يتنافسون- ما نطلق عليه فناً. من الأشجار المرسومة لا تسقط الأوراق.

Comments
Post a Comment