إسطنبول ~ الذكريات والمدينة
إسطنبول ~ الذكريات والمدينة
أورهان باموق
أصبحت يدي، بعد وقت، ماهرة مثل عيني، لذا كنت أشعر حين أرسم شجرة جميلة جداً، وكأن يدي تتحرك بدون توجيه، كنت أنظر باندهاش، وأنا أشاهد القلم الرصاص يعدو على الورقة، وكأن الرسم دليل على وجود آخر، وكأن شخصاً آخر سكن جسدي، كان جزء آخر من عقلي، وأنا مندهش مما يفعل، توّاق لأن اصبح مثله، مشغولاً بمعاينة تعريجات الأغصان ووضع الجبال والبنية ككل، مفكراً في أنني أبدعت هذا المشهد على ورقة خالية. كان عقلي على طرف قلمي، يعمل قبل أن أفكر، ويستطيع في الوقت نفسه فحص ما رسمته. كان هذا البعد الثاني للإدراك، هذه القدرة على تحليل تقدمي، المتعة التي شعر بها هذا الفنان الصغير حين تطلع إلى اكتشاف شجاعته وحريته كان القفز خارج نفسي، ومعرفة الشخص الثاني الذي يقيم داخلي لتتبع خط التقسيم الذي ظهر حين انزلق القلم على الورقة. كطفل يتزلج على الجليد.
هذا التقسيم بيت عقلي ويدي، الحاسة التي كانت تعمل بها يدي طوعاً، كان فيها شيء مشترك مع الإحساس بالهروب إلى عالم أحلامي حين تتوقف رأسي. لكن - بما لا يشبه الكائنات الخرافية في عالم الأحلام الغريب - لم أبذل أي مجهود لأخفاء لوحاتي. عرضتها بدلاً من ذلك، على الجميع متوقعاً المديح ومستمتعاً به كان معني أن أرسم هو أن أجد عالماً ثانياً لم يكن وجوده يسبب ارتباكاً.
لكن ما يهم الرسام ليس حقيقة الشيء بل شكله، وما يهم الروائي ليس سير الأحداث بل ترتيبها، وما يهم كاتب السيرة ليس الدقة الواقعية للتعليق بل تناسقه. لذلك فالقارئ الذي لاحظ كيف وصفت اسطنبول وأنا أصف نفسي، ووصفت نفسي وأنا أصف اسطنبول، قد استنتج أنني أذكر تلك المشاجرات الطفولية والقاسية لأعد المشهد لشيء آخر.

Comments
Post a Comment