Posts

Showing posts from March, 2018

موسم الهجرة إلى الشمال

Image
موسم الهجرة إلى الشمال الطيب صالح Add caption كلنا يا بني نسافر وحدنا في نهاية الأمر كل شيء حدث قبل لقائي إياها، كان إرهاصًا، و كل شيء فعلته بعد أن قتلتها كان اعتذارًا، لا لقتلها، بل لأكذوبة حياتي. نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، و لكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه. إنه ليس شجرة سنديان شامخة وارفة الفروع في أرض منت عليها الطبيعة بالماء والخصب، ولكنه كشجيرات السيال في صحاري السودان، سميكة اللحى حادة الأشداك، تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة. وأنا فوق كل شيء مستعمر، إنني الدخيل الذي يجب أن يُبت في أمره. حين جيء لكتشنر بمحمود و د أحمد و هو يرسف في الأغلال بعد أن هزمه في موقعه أتبرا، قال له: "لماذا جئت بلدي تخرب و تنهب؟", الدخيل هو الذي قال ذلك لصاحب الأرض، وصاحب الأرض طأطأ رأسه و لم يقل شيئاً، فليكن أيضاً ذلك شأني معهم. إنني أسمع في هذه المحكمة صليل سيوف الرومان في قرطاجة، و قعقة سنابك خيل اللنبي و هي تطأ أرض القدس. البواخر مخرت عرض النيل أول مرة تحمل المدافع لا الخبز، وسكك الحديد أنشئت...

أسرار الصلاة

Image
أسرار الصلاة ابن القيم و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ، و قحطُ النفوس متوالياً عليها ، جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ، و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ، و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ، و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ، فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ، يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ، و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته. فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ، فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ، و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة ، فإذا تمكَّنت الغفلة منه ، و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ، و سنته جرداء يابسة ، و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم .