بين القصرين
بين القصرين نجيب محفوظ ولكن استهانة الحب بالمخاوف عجب قديم وكثيراً ما قال لنفسه أنه ربما كان في وسع الإرادة القوية أن تتيح لنا اكثر من مستقبل واحد ولكننا لن يكون لنا -مهما أوتينا من إرادة- إلا ماض واحد لا مفر منه ولا مهرب إنه يحملق في الماضي على استكراه ونفور شديدين، ولكنه وجد المقاومة لا تجدي، كأنما ذلك الماضي دمل يود لو يتجاهله على حين لا تمسك يده عن جسه من آن لآخر وإذا كان الماضي أحداثاً وذكريات هي بطبعها عرضة للتخلخل أو النسيان فهذا الدكان يقوم شاهداً مجسمًا يكشف مخلخله ويفضح منسيه. وكان كلما تقدم من المنعطف خطوة تقهقر عن الحاضر خطوات طاويا الزمن على رغم إرادته وكأنه يرى في الدكان "غلامًا" يرفع رأسه إلى صاحبها ويقول:" نينة تطلب منك أن تحضر الليلة"، أو كأنه يراه وهو عائد بقرطاس الفاكهة ضاحك الأسارير، أو وهو يلفت نظر أمه في الطريق إلى الرجل فتجذبه من ذراعه بعيدًا أن يلفت إليهما الأنظار، أو وهو ينشج باكيًا أمام منظر الافتراس الوحشي الذي يخلقه خلقاً جديدًا -كلما ورد على ذهنه- على ضوء تجاربه الراهنة فينقلب البشاعة نفسها، طفق...